بعد مرور أكثر من عقدين على صدوره، لا يزال فيلم “آلام المسيح” الذي أخرجه ميل جيبسون عام 2004 نقطة محورية في النقاشات السينمائية والدينية. ورغم أن الفيلم يحظى اليوم بشهرة لمواضيعه المثيرة للجدل، إلا أنه من السهل نسيان حجم نجاحه الجماهيري الهائل. فقد استطاع العمل تحقيق إيرادات مذهلة تجاوزت 610 مليون دولار على مستوى العالم. وحتى اليوم، لا يزال الفيلم يحتل المرتبة العاشرة في قائمة أعلى الأفلام تصنيف “R” تحقيقاً للإيرادات في التاريخ، بينما يحتل المركز الثاني على المستوى المحلي في أمريكا، متقدماً عليه فقط فيلم “ديدبول وولفرين” الصادر عام 2024.
من الرؤية إلى التأجيل: رحلة التكملة الطويلة
طوال هذه السنوات، ترددت أنباء عن رغبة المخرج ميل جيبسون في إنتاج تكملة للفيلم، تروي قصة ما بعد الصلب، مركزة على فترة وجود السيد المسيح في الجحيم ثم قيامته وصعوده إلى السماء. لكن هذه الخطط واجهت عقبات كبيرة بسبب المشاكل القانونية والشخصية التي مر بها جيبسون، مما أدى إلى تأجيل المشروع مراراً وتكراراً. والآن، وبعد أكثر من عشرين عاماً، ها هو الحلم يتحقق أخيراً، ولكن ليس كما كان متوقعاً في البداية. فقد أعلن عن العمل على تكملة، أو بالأحرى تكملات، للفيلم الأسطوري.
خطة التقنية الحديثة والتحول نحو القرار الكلاسيكي
في البداية، كانت الخطة تعتمد على إعادة طاقم التمثيل الأصلي بالكامل، بما في ذلك النجم جيم كافيزيل، الذي جسد شخصية السيد المسيح، والممثلة العالمية مونيكا بيلوتشي، التي أدت دور مريم المجدلية. ولمواجهة التحدي الأكبر، وهو الفجوة الزمنية التي تبلغ عشرين عاماً بين تصوير الفيلم الأصلي والتكملة، فكر جيبسون في الاعتماد على أحدث تقنيات “الشباب الرقمي” لاستعادة مظهر الممثلين الأصليين الأصغر سناً، مما يسمح باستمرارية القصة دون أن تظهر علامات تقدم العمر على الشخصيات الرئيسية.
ولكن يبدو أن هذا النهج التقني قد واجه صعوبات جمة، سواء من حيث التكلفة الباهظة أو من حيث الجدوى الفنية. فبعد دراسة متأنية، قرر جيبسون وفريقه أن الاعتماد على هذه التقنية قد لا يكون الحل الأمثل أو العملي لضمان نجاح التكملة. وبدلاً من المخاطرة، اتخذ القرارون خياراً أكثر تقليدية وأكثر شيوعاً في عالم السينما عند التعامل مع فجوات زمنية طويلة بين الأفلام.

قرار إعادة اختيار الممثلين وتأثيره
القرار الذي تم الإعلان عنه هو “إعادة اختيار الممثلين”. هذا يعني أننا سنشاهد وجوهاً جديدة تجسد شخصيات السيد المسيح ومريم المجدلية في التكملة القادمة. هذا القرار يضع نهاية للتكهنات حول عودة كافيزيل وبيلوتشي، ويفتح صفحة جديدة كلياً للمشروع. إنه تحول جذري في رؤية المخرج، يشير إلى رغبته في بداية جديدة للقصة، مع الحفاظ على جوهرها الديني والعاطفي.
هذا القرار، دون شك، سيحمل في طياته ردود فعل متباينة من الجمهور والمتابعين. فمن ناحية، هناك جمهور كبير ارتبط بأداء جيم كافيزيل القوي والمؤثر، والذي أصبح صورة مرسخة في أذهان الكثيرين حول العالم. ومن ناحية أخرى، فإن إدخال دماء جديدة قد يمنح القصة طاقة متجددة ويفتح آفاقاً إبداعية مختلفة للمخرج والكتاب. إنها مغامرة جديدة لمشروع طال انتظاره، يحمل بين طياته الكثير من التحديات والكثير من الآمال ليعيد إحياء واحدة من أكثر القصص تأثيراً في التاريخ من خلال عدسة سينمائية معاصرة.